شيء من معرفة الحافظ الدارقطي في الأنساب






لا يُستغرب من إمام في الحديث والرجال معرفته التامة في الأنساب ، فقد كان هذا العلم الشريف ـ الأنساب ـ مَطلب علماء الحديث ،  حتى عّدَّ الحافظ الحازمي  معرفة الأنساب من أصول الحديث كما في ( عُجالته ) : ( ومن أصول الحديث معرفة الأنساب ، وأهمها معرفة أنساب العرب )[1]..ولو تتبعت مُصنفات أهل الحديث في الرجال تجد لهم معرفة في أنساب العرب ..

والحافظ أبو الحسن الدارقطني نسابة مِن الطراز الأول ، وسَنُبين ذلك في هذه الرسالة المُوضحة لمعرفة الدارقطني التامة في أنساب العرب .. وقد جعلتُ رسالتي على هذا المنوال :
دِراسة أبي الحسن الدارقطني  وروايته للأنساب .
أمثلة على معرفة الحافظ الدارقطني لأنساب العرب .
وندخل في لُب المقصود .

         " دِراسة أبوالحسن الدارقطني وروايته للأنساب "

ذكر الحافظ الذهبي في ( السٍّير ) : (قال الحافظ أبو ذر الهروي: سمعت أن الدارقطني قرأ  كتاب " النسب " على مسلم العلوي )[2] .

قال أحمد أبوبكرة التُرباني : ومسلم العلوي نسابة فحل ، له كِتاب بعنوان ( الزُهري في النسب ) وهو مُسلم بن عُبيد الله بن يحيى النسابة العلوي الهاشمي .. فالحافظ الدارقطني قرأ كِتاب النَّسب على يد نسابة فَحل مِن سلالة بيت عريق في معرفة الأنساب .. وكِتاب النَّسب الذي ذكره الهروي هو كتاب ( النسب ) للزبير بن بكَّار ، وإسناد الحافظ الدارقطني لكتاب ( النَّسب ) للزبير ما ذكره في كتابه ( المؤتلف ) : ( حدثنا مُسلم بن عبيد الله الحُسيني حدثنا الخضر بن داود حدثنا الزبير بن بكَّار ... )[3]

                    روايته لكتب الأنساب

روى الحافظ الدارقطني بعض الكُتب النَّسبية لعُمدة أهل النسبِ كـ (ابن الكلبي والزبير بن بكَّار .. ).

روايته لكتاب ( جمهرة النسب الكبير ) لأبن الكلبي :
قال الحافظ الدارقطني : ( روى أبو سعيد السُّكري عن محمد بن حبيب عن هِشام بن الكلبي ، فيما قرأته بخط أبي بكر بن أبي سهل الحُلواني عنه )[4].

روايته لكتاب ( جمهرة نسب قريش ) للزبير بن بكَّار :
قال الحافظ الدارقطي في ( المؤتلف والمختلف ) : ( وقال ذلك الزبير بن بكَّار فيما أخبرنا به إسماعيل الصَّفار عن أحمد بن سعيد الدمشقي عنه )[5] .

روايته لكتاب ( مآثر فَزارة بن ذُبيان ) و ( النَّسبِ )  لأبي عبيدة معمر بن المثنى :
قال الحافظ الدارقطني في ( المؤتلف ) : ( حدثنا أبو الطاهر القاضي حدثنا أبو عمران الجوني حدثنا المازني عن أبي عبيدة في " مآثر فزارة بن ذُبيان " .. )[6] .. وكذلك بهذا الإسناد روى كتاب ( النسب )[7] لأبي عُبيدة .

روايته لكتاب ( نسب قريش ) لمصعب الزُبيري :
قال الحافظ الدارقطني في ( المؤتلف ) : ( حدثنا محمد بن علي بن عُبيد حدثنا أبو بكر بن أبي خيثمة حدثنا مصعب ... )[8].

    " أمثلة على معرفة الحافظ الدارقطني لأنساب العرب "

من قرأ كِتاب ( المؤتلف والمختلف ) للحافظ الدارقطني عَرف سِعة اطلاعه ومعرفته في أنساب العرب ، وسنضرب بعض الأمثلة التي تُضح ذلك :
1ـ قال الحافظ الدارقطني في ( المؤتلف ) : ( ففي نسبِ الأنصار : تزيد بن جشم بن الخزرج .. ) وقال : ( وفي قُضاعة : تزيد بن حُلوان بن عمران بن إلحاف بن قُضاعة ، وإليهم تُنسب الثياب التَّزيدية )[9]

قال أحمد أبوبكرة الترباني : جعل النسابة السمعاني هذه النِّسبة ( التَّزيدي )[10] نسبة لبلد في اليمن (!!) بِخلاف الحافظ النسابة الدارقطني فقد بين أنهم من ( قُضاعة ) وقد أيد ذلك المؤرخ ابن الأثير وانتصر لقول الحافظ الدارقطني حيث قال : ( والحق بيَّد الدارقطني والقول ما قاله ، وقد وافقه على ذلك أئمة النسب كابن الكلبي وأبي عبيدة وغيرهما )[11].

2ـ قال الحافظ الدارقطني في حدثه عن ( النهديون ) كما في ( المؤتلف ) : ( منهم قبائل باليمن و قبائل بالشام كلهم من ولد خُزيمة بن نهد وهم في تنوخ في نهد اليمن ، وأما نهد الشام فعوف وزِمَّان و سُليم وصُباح بن نهد )[12] .

3ـ قال الحافظ الدارقطني : ( والبرك بن وبرة دخل في جهينة )[13].

4ـ قال الحافظ الدارقطني : ( وأما البَجلي فهم من بني بجلة من سُليم )[14].

قال أحمد أبوبكرة الترباني : و بجيلة رهط الصحابي الجليل " جرير بن عبد الله " غير بَجلة سُليم ، وقد أورد السُّبكي في ( طبقاته )[15]استدراكات الحافظ مُغلطاي على الحافظ المزي فقال : (وهذه مواقف استدركها بعض محدثي العصر بديار مصر وهو الشيخ علاء الدين مغلطاي شيخ الحديث بالمدرسة الظاهرية بالقاهرة وانتقاها مما استدركه على كتاب تهذيب الكمال لشيخنا المزي وحضرت معي إلى دمشق لما جئت من القاهرة في سنة أربع وخمسين وسبعمائة لأسأل عنها الشيخ الإمام الوالد فأجاب عنها رحمه الله وقد كتبتها من خطه قال رحمه الله أسئلة وردت من الديار المصرية مع ولدي عبد الوهاب في الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وسبعمائة .. )  .
 ومن هذه الأسئلة ما يَخصُ ( بجلة من سُليم  ) : ( السؤال الرابع :
قال  : قال أيضا عيسى بن عبد الرحمن السلمي ثم البجلي وبجيلة من سليم كذا هو بخط المهندس وقرأته على الشيخ والذي في سليم إنما هو بجلة بسكون الجيم من غير ياء بعدها على هذا النسابون حتى قال علي ابن حمزة البصري في كتاب التنبيهات على أغلاط الرواة أخبرني أبو حاتم السجستاني قال أنشد الأصمعي يوما قول عنترة وآخر منهم أجررت رمحي وفي البجلي معبلة وقيع فناداه الأعرابي أخطأت يا شيخ إنما هو البجلي وما لعبس وبجيلة قال أبو حاتم فسألت الأعرابي فما أراد عنترة قال أراد بجلة أولاد ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة قال أبو حاتم فكان الأصمعي بعد ذلك لا ينشده إلا كما قال الأعرابي وقال الهجري في نوادره وعلي وبهز وبجلة ولد ثعلبة بن بهثة بن سليم لا يزيدون أبدا على العشرة وقال في موضع آخر امتحنوا إلا نفرا يسيرا .
الجواب :
هذا اعتراض صحيح لأن بجلة بالسكون في سليم أمر مشهور ولأن السمعاني ذكر عيسى بن عبد الرحمن هذا في بجلة بالإسكان وهو رهط من سليم بعد ذكره بجيلة فالنسبتان معروفتان والرجل معروف والجوهري في الصحاح ذكر بجلة التي بالسكون والمزي اختصر الصحاح ولا يخفى عنه ذلك ولكن الوهم قل من يسلم منه على أن البخاري قال في تاريخه عيسى بن عبد الرحمن السلمي وقال محمد بن يحيى حدثنا سلم بن قتيبة حدثنا عيسى بن عبد الرحمن البجلي حي من بني سليم وكذا قال ابن أبي حاتم ولكنهما لم يعتدا بتحريك ولا إسكان فلعلهما اكتفيا بأن ذلك معلوم وبجلة بالإسكان هو مالك بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان سموا بذلك باسم أمهم بجلة بنت هناءة بن مالك بن فهم من الأزد وهم قصية ومازن وفتيان أولاد مالك بن ثعلبة فما حكاه المعترض عن أبي حاتم وعن الهجري ليس فيه ثقات وأما بجيلة بكسر الجيم وياء بعدها فالمشهور أنه ابن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث أخي الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ وقيل اسم أمهم وهي من سعد العشرية وأختها باهلة ولدتا قبيلتين عظيمتين وقد تفرقت في القبائل تفرقا كثيرا قال زياد الأعجم لعمرك ما بجيلة من نزار ولا قحطان فانظر من أبوها
وبعض القبائل يدخل بعضها في بعض فلذلك أقول يحتمل أن يكون أيضا في سليم أحد من بجيلة وقد دخل في سليم غاضرة وعاينة وهما من قضاعة وإنما دخلا في سليم فقيل ابنا سليم بن منصور بن عكرمة فلذلك لم أقطع بأن هذا خطأ محض وبيت عنترة مضبوط هكذا في الأشعار الستة بالسكون وقبله تركت جبيلة بن أبي عدي يبل ثيابه علق نجيع وجبيلة رجل من بجلة بالسكون وبجلة بالسكون من قيس وبجيلة بالياء من يمن وهما متباعدان وعنترة من بني عبس وعبس هو ابن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس فالتباعد بينه وبين بجيلة أي بين عنترة وبجيلة أشد فلذلك قال الأعرابي ذلك ما لعبس وبجلية أي ما لعنترة وبجيلة ويصح أن يقول ما للمقتول وهو من قيس وبجيلة وممن ينسب إلى بجلة بالسكون عمرو بن عبسة الصحابي وقبيصة بن وقاص الصحابي السلمي وذكر خليفة أن بجلة ذكوان ومالكا ابنا ثعلبة بن بهثة ) انتهى .
والأمثلة كثيرة على معرفة ودقة الحافظ الدارقطني في الأنساب ، فالحافظ الدارقطني نسابة ومؤرخ ومُحدث .

وكتبه :
أحمد بن سُليمان بن صباح أبوبكرة التُرباني .


[1] ـ ( ص26).
[2] ـ ( 16/510).
[3] ـ ( 1/294) و ( 1/631) و ( 1/182).
[4] ـ ( المؤتلف والمختلف ) ( 1/175).
[5] ـ ( 1/265).
[6] ـ ( ذكره في باب " جُوية " ) .
[7] ـ ( 1039).
[8] ـ ( 631).
[9] ـ (  1/180) .
[10] ـ ( الأنساب ) ( 3/52).
[11] ـ ( اللباب ) ( 1/215).
[12] ـ ( 1/219).
[13] ـ ( 1/247).
[14] ـ ( 1/276) .
[15] ـ ( 10/408) .